الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
{وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون} لما ذكر ما يراد به وجهه ويثبت عليه ذكر غير ذلك من الصفة وما يراد به أيضا وجهه. وقرأ الجمهور}آتيتم} بالمد بمعنى أعطيتم. وقرأ ابن كثير ومجاهد وحميد بغير مد؛ بمعنى ما فعلتم من ربا ليربو؛ كما تقول: أتيت صوابا وأتيت خطأ. وأجمعوا على المد في قوله}وما آتيتم من زكاة}. والربا الزيادة وقد مضى في }البقرة} معناه، وهو هناك محرم وها هنا حلال. وثبت بهذا أنه قسمان: منه حلال ومنه حرام. قال عكرمة في قوله تعالى}وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس} قال: الربا ربوان، ربا حلال وربا حرام؛ فأما الربا الحلال فهو الذي يهدى، يلتمس ما هو أفضل منه. وعن الضحاك في هذه الآية: هو الربا الحلال الذي يهدى ليثاب ما هو أفضل منه، لا له ولا عليه، ليس له فيه أجر وليس عليه فيه إثم. وكذلك قال ابن عباس}وما آتيتم من ربا} يريد هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه؛ فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر صاحبه ولكن لا إثم عليه، وفي هذا المعنى نزلت الآية. قال ابن عباس وابن جبير وطاوس ومجاهد: هذه آية نزلت في هبة الثواب. قال ابن عطية: وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه كالسلام وغيره؛ فهو وإن كان لا إثم فيه فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله تعالى. وقاله القاضي أبو بكر بن العربي. قال القاضي أبو بكر بن العربي: صريح الآية فيمن يهب يطلب الزيادة من أموال الناس في المكافأة. قال المهلب: اختلف العلماء فيمن وهب هبة يطلب ثوابها وقال: إنما أردت الثواب؛ فقال مالك: ينظر فيه؛ فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له فله ذلك؛ مثل هبة الفقير للغني، وهبة الخادم لصاحبه، وهبة الرجل لأميره ومن فوقه؛ وهو أحد قولي الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يكون له ثواب إذا لم يشترط؛ وهو قول الشافعي الآخر. قال: والهبة للثواب باطلة لا تنفعه؛ لأنها بيع بثمن مجهول. واحتج الكوفي بأن موضوع الهبة التبرع، فلو أوجبنا فيها العوض لبطل معنى التبرع وصارت في معنى المعاوضات، والعرب قد فرقت بين لفظ البيع ولفظ الهبة، فجعلت لفظ البيع على ما يستحق فيه العوض، والهبة بخلاف ذلك. ودليلنا ما رواه مالك في موطئه عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أيما رجل وهب هبة يرى أنها للثواب فهو على هبته حتى يرضى منها. ونحوه عن علّي رضي الله عنه قال: المواهب ثلاثة: موهبة يراد بها وجه الله، وموهبة يراد بها وجوه الناس، وموهبة يراد بها الثواب؛ فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها إذا لم يثب منها. وترجم البخاري رحمه الله (باب المكافأة في الهبة) وساق ما ذكره علّي رضي الله عنه وفصّله من الهبة صحيح؛ وذلك أن الواهب لا يخلو في هبته من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يريد بها وجه الله تعالى ويبتغي عليها الثواب منه. والثاني: أن يريد بها وجوه الناس رياء ليحمدوه عليها ويثنوا عليه من أجلها. والثالث: أن يريد بها الثواب من الموهوب له؛ وقد مضى الكلام فيه. وقال صلى الله عليه وسلم: وكذلك من يصل قرابته ليكون غنيا حتى لا يكون كلا فالنية في ذلك متبوعة؛ فإن كان ليتظاهر بذلك دنيا فليس لوجه الله، وإن كان لما له عليه من حق القرابة وبينهما من وشيجة الرحم فإنه لوجه الله. وأما من أراد بهبته وجوه الناس رياء ليحمدوه عليها ويثنوا عليه من أجلها فلا منفعة له في هبته؛ لا ثواب في الدنيا ولا أجر في الآخرة؛ قال الله عز وجل قوله تعالى}ليربو} قرأ جمهور الفراء (1) {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون} قوله تعالى}الله الذي خلقكم} ابتداء وخبر. وعاد الكلام إلى الاحتجاج على المشركين وأنه الخالق الرازق المميت المحيي. ثم قال على جهة الاستفهام}هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء} لا يفعل. }سبحانه وتعالى عما يشركون} ثم نزه نفسه عن الأنداد والأضداد والصاحبة والأولاد وأضاف الشركاء إليهم لأنهم كانوا يسمونهم بالآلهة والشركاء، ويجعلون لهم من أموالهم. {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} قوله تعالى}ظهر الفساد في البر والبحر} اختلف العلماء في معنى الفساد والبر والبحر؛ فقال قتادة والسدي: الفساد الشرك، وهو أعظم الفساد. وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد: فساد البر قتل ابن آدم أخاه؛ قابيل قتل هابيل. وفي البحر بالملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا. وقيل: الفساد القحط وقلة النبات وذهاب البركة. ونحوه قال ابن عباس قال: هو نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا. قال النحاس: وهو أحسن ما قيل في الآية. وعنه أيضا: أن الفساد في البحر انقطاع صيده بذنوب بني آدم. وقال عطية: فإذا قل المطر قل الغوص عنده، وأخفق الصيادون، وعميت دواب البحر. وقال ابن عباس: إذا مطرت السماء تفتحت الأصداف في البحر، فما وقع فيها من السماء فهو لؤلؤ. وقيل: الفساد كساد الأسعار وقلة المعاش. وقيل: الفساد المعاصي وقطع السبيل والظلم؛ أي صار هذا العمل مانعا من الزرع والعمارات والتجارات؛ والمعنى كله متقارب. والبر والبحر هما المعروفان المشهوران في اللغة وعند الناس؛ لا ما قاله بعض العباد: أن البر اللسان، والبحر القلب؛ لظهور ما على اللسان وخفاء ما في القلب. وقيل: البر: الفيافي، والبحر: القرى؛ قاله عكرمة. والعرب تسمي الأمصار البحار. وقال قتادة: البر أهل العمود، والبحر أهل القرى والريف. وقال ابن عباس: إن البر ما كان من المدن والقرى على غير نهر، والبحر ما كان على شط نهر؛ وقاله مجاهد، قال: أما والله ما هو بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء جار فهي بحر. وقال معناه النحاس، قال: في معناه قولان: أحدهما: ظهر الجذب في البر؛ أي في البوادي وقراها، وفي البحر أي في مدن البحر؛ مثل {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين} قوله تعالى}قل سيروا في الأرض} أي قل لهم يا محمد سيروا في الأرض ليعتبروا بمن قبلهم، وينظروا كيف كان عاقبة من كذب الرسل }كان أكثرهم مشركين} أي كافرين فأهلكوا. {فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون} قوله تعالى}فأقم وجهك للدين القيم} قال الزجاج: أي أقم قصدك، واجعل جهتك اتباع الدين القيم؛ يعني الإسلام. وقيل: المعنى أوضح الحق وبالغ في الإعذار، واشتغل بما أنت فيه ولا تحزن عليهم. }من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله} أي لا يرده الله عنهم، فإذا لم يرده لم يتهيأ لأحد دفعه. ويجوز عند غير سيبويه }لا مرد له} وذلك عند سيبويه بعيد، إلا أن يكون في الكلام عطف. والمراد يوم القيامة. قوله تعالى}يومئذ يصدعون} قال ابن عباس: معناه يتفرقون. وقال الشاعر: أي لن يتفرقا؛ نظيره قوله تعالى {من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون} قوله تعالى}من كفر فعليه كفره} أي جزاء كفره. }ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون} أي يوطئون لأنفسهم في الآخرة فراشا ومسكنا وقرارا بالعمل الصالح؛ ومنه: مهد الصبي. والمهاد الفراش، وقد مهدت الفراش مهدا: بسطته ووطأته. وتمهيد الأمور: تسويتها وإصلاحها. وتمهيد العذر: بسطه وقبوله. والتمهد: التمكن. و روى ابن أبي نجيح عن مجاهد }فلأنفسهم يمهدون} قال: في القبر. {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين} قوله تعالى}ليجزي الذين آمنوا} أي يمهدون لأنفسهم ليجزيهم الله من فضله. وقيل يصدعون ليجزيهم الله؛ أي ليتميز الكافر من المسلم. }إنه لا يحب الكافرين}. {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} قوله تعالى}ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات} أي ومن أعلام كمال قدرته إرسال الرياح مبشرات أي بالمطر لأنها تتقدمه. وقد مضى في }الحجر} بيانه. }وليذيقكم من رحمته} يعني الغيث والخصب. }ولتجري الفلك} أي في البحر عند هبوبها. وإنما زاد }بأمره} لأن الرياح قد تهب ولا تكون مواتية، فلا بد من إرساء السفن والاحتيال بحبسها، وربما عصفت فأغرقتها بأمره. }ولتبتغوا من فضله} يعني الرزق بالتجارة }ولعلكم تشكرون} هذه النعم بالتوحيد والطاعة. وقد مضى هذا كله مبينا. {ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين} قوله تعالى}ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات} أي المعجزات والحجج النيرات }فانتقمنا} أي فكفروا فانتقمنا ممن كفر. }وكان حقا علينا نصر المؤمنين} }حقا} نصب على خبر كان، }ونصر} اسمها. وكان أبو بكر يقف على }حقا} أي وكان عقابنا حقا، ثم قال}علينا نصر المؤمنين} ابتداء وخبر؛ أي أخبر بأنه لا يخلف الميعاد، ولا خلف في خبرنا. {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون، وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين} قوله تعالى}الله الذي يرسل الرياح} قرأ ابن محيصن وابن كثير وحمزة والكسائي}الريح} بالتوحيد. والباقون بالجمع. قال أبو عمرو: وكل ما كان بمعنى الرحمة فهو جمع، وما كان بمعنى العذاب فهو موحد. وقد مضى في }البقرة} معنى هذه الآية وفي غيرها. }كسفا} جمع كسفة وهي القطعة. وفي قراءة الحسن وأبي جعفر وعبدالرحمن الأعرج وابن عامر }كسفا} بإسكان السين، وهي أيضا جمع كسفة؛ كما يقال: سدرة وسدر؛ وعلى هذه القراءة يكون المضمر الذي بعده عائدا عليه؛ أي فترى الودق أي المطر يخرج من خلال الكسف؛ لأن كل جمع بينه وبين واحده الهاء لا غير فالتذكير فيه حسن. ومن قرأ}كسفا} فالمضمر عنده عائد على السحاب. وفي قراءة الضحاك وأبي العالية وابن عباس}فترى الودق يخرج من خلله} ويجوز أن يكون خلل جمع خلال. }فإذا أصاب به} أي بالمطر. }من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون} يفرحون بنزول المطر عليهم. }وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين} أي يائسين مكتئبين قد ظهر الحزن عليهم لاحتباس المطر عنهم. و}من قبله} تكرير عند الأخفش معناه التأكيد؛ وأكثر النحويين على هذا القول؛ قاله النحاس. وقال قطرب: إن }قبل} الأولى للإنزال والثانية للمطر؛ أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر. وقيل: المعنى من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل الزرع، ودل على الزرع المطر إذ بسببه يكون. ودل عليه أيضا }فرأوه مصفرا} على ما يأتي. وقيل: المعنى من قبل السحاب من قبل رؤيته؛ واختار هذا القول النحاس، أي من قبل رؤية السحاب }لمبلسين} أي ليائسين. وقد تقدم ذكر السحاب. {فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير} قوله تعالى}فانظر إلى آثار رحمة الله} يعني المطر؛ أي انظروا نظر استبصار واستدلال؛ أي استدلوا بذلك على أن من قدر عليه قادر على إحياء الموتى. وقرأ ابن عامر وحفص وحمزه والكسائي}آثار} بالجمع. الباقون }بالتوحيد؛ لأنه مضاف إلى مفرد. والأثر فاعل }يحيي} ويجوز أن يكون الفاعل اسم الله عز وجل. ومن قرأ}آثار} بالجمع فلأن رحمة الله يجوز أن يراد بها الكثرة؛ كما قال تعالى {ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون} قوله تعالى}ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا} يعني الريح، والريح يجوز تذكيره. قال محمد بن يزيد: لا يمتنع تذكير كل مؤنث غير حقيقي، نحو أعجبني الدار وشبهه. وقيل: فرأوا السحاب. وقال ابن عباس: الزرع، وهو الأثر؛ والمعنى: فرأوا الأثر مصفرا؛ واصفرار الزرع بعد اخضراره يدل على يبسه، وكذا السحاب يدل على أنه لا يمطر، والريح على أنها لا تلقح }لظلوا من بعده يكفرون} أي ليظلن؛ وحسن وقوع الماضي في موضع المستقبل لما في الكلام من معنى المجازاة، والمجازاة لا تكون إلا بالمستقبل؛ قاله الخليل وغيره. {فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} قوله تعالى}فإنك لا تسمع الموتى} أي وضحت الحجج يا محمد؛ لكنهم لإلفهم تقليد الأسلاف في الكفر ماتت عقولهم وعميت بصائرهم، فلا يتهيأ لك إسماعهم وهدايتهم. وهذا رد على القدرية. }إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا} أي لا تسمع مواعظ الله إلا المؤمنين الذين يصغون إلى أدلة التوحيد وخلقت لهم الهداية. وقد مضى هذا في }النمل} ووقع قوله }بهاد العمي} هنا بغير ياء. {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير} قوله تعالى}الله الذي خلقكم من ضعف} ذكر استدلالا آخر على قدرته في نفس الإنسان ليعتبر. ومعنى}من ضعف} من نطفة ضعيفة. وقيل}من ضعف} أي في حال ضعف؛ وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر. }ثم جعل من بعد ضعف قوة} يعني الشبيبة. }ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة} يعني الهرم. وقرأ عاصم وحمزة: بفتح الضاد فيهن، الباقون بالضم، لغتان، والضم لغة النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ الجحدري}من ضعف ثم جعل من بعد ضعف} بالفتح فيهما؛ }ضعفا} بالضم خاصة. أراد أن يجمع بين اللغتين. قال الفراء: الضم لغة قريش، والفتح لغة تميم. الجوهري: الضعف والضعف: خلاف القوة. وقيل: الضعف بالفتح في الرأي، وبالضم في الجسد؛ ومنه الحديث في الرجل الذي كان يخدع في البيوع: {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون} قوله تعالى}ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون} أي يحلف المشركون. }ما لبثوا غير ساعة} ليس في هذا رد لعذاب القبر؛ إذ كان قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق أنه تعوذ منه، وأمر أن يتعوذ منه؛ فمن ذلك ما {وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون} قوله تعالى}وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث} اختلف في الذين أوتوا العلم؛ فقيل الملائكة. وقيل الأنبياء. وقيل علماء الأمم. وقيل مؤمنو هذه الأمة. وقيل جميع المؤمنين؛ أي يقول المؤمنون للكفار ردا عليهم لقد لبثتم في قبوركم إلى يوم البعث. والفاء في قوله}فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون} جواب لشرط محذوف دل عليه الكلام؛ مجازه: إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث. وحكى يعقوب عن بعض القراء وهي قراءة الحسن}إلى يوم البعث} بالتحريك؛ وهذا مما فيه حرف من حروف الحلق. وقيل: معنى }في كتاب الله} في حكم الله. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ أي وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان لقد لبثتم إلى يوم البعث؛ قاله مقاتل وقتادة والسدي. القشيري: وعلى هذا }أوتوا العلم} بمعنى كتاب الله. وقيل: الذين حكم لهم في الكتاب بالعلم }فهذا يوم البعث} أي اليوم الذي كنتم تنكرونه. {فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون} قوله تعالى}فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم} أي لا ينفعهم العلم بالقيامة ولا الاعتذار يومئذ. وقيل: لما رد عليهم المؤمنون سألوا الرجوع إلى الدنيا واعتذروا فلم يعذروا. }ولا هم يستعتبون} أي ولا حالهم حال من يستعتب ويرجع؛ يقال: استعتبته فأعتبني، أي استرضيته فأرضاني، وذلك إذا كنت جانيا عليه. وحقيقة أعتبته: أزلت عتبه. وسيأتي في }فصلت} بيانه. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي}فيومئذ لا ينفع} بالياء، والباقون بالتاء. {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون، كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون، فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} قوله تعالى}ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} أي من كل مثل يدلهم على ما يحتاجون إليه، وينبههم على التوحيد وصدق الرسل. }ولئن جئتهم بآية} أي معجزة؛ كفلق البحر والعصا وغيرهما }ليقولن الذين كفروا إن أنتم} يقول الكفار إن أنتم يا معشر المؤمنين. }إلا مبطلون} أي تتبعون الباطل والسحر }كذلك} أي كما طبع الله على قلوبهم حتى لا يفهموا الآيات عن الله فكذلك }يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون} أدلة التوحيد}فاصبر إن وعد الله حق} أي اصبر على أذاهم فإن الله ينصرك }ولا يستخفنك} أي لا يستفزنك عن دينك }الذين لا يوقنون} قيل: هو النضر بن الحارث. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته؛ يقال: استخف فلان فلانا أي استجهله حتى حمله على اتباعه في الغّي. وهو في موضع جزم بالنهي، أكد بالنون الثقيلة فبني على الفتح كما يبنى الشيئان إذا ضم أحدهما إلى الآخر. }الذين لا يوقنون} في موضع رفع، ومن العرب من يقول: الذون في موضع الرفع. وقد مضى في }الفاتحة}.
|